الأحد، 11 أكتوبر 2015

في ذكرى استشهاد والدي (رسالة من يتيم)








ما بالك لو قدم يتيم إليك وقال لك امسح على رأسي

أنا اليوم يتيم ، وأقول لكم امسحوا على رؤوس الأيتام

وتعالوا نتعرف على اليتم حقيقة





اليُتم كلمة صعبة وثقيلة ،
تتثاقل ألسنة الأيتام على ذكرها
أو حتى سماعها من الآخرين

اليُتم كلمة تحرق القلب
تسعر النار في الفؤاد
ترجف الأطراف



اليُتم كلمة استشعار حساسة
عندما يرى اليتيم كل أبٍ يداعب أبناءه
ويرى كل تقبيلة يدٍ وقت شكر وثناء من الإبن لأبيه


اليتم مأساة حياة طويلة
تفقد فيها مشاعر حنونه
تبحث عنها بين أضلع البشر
لعلك تجد صدراً دافئ
كصدر أبيك

]

وكم هي مرارة طعام السحور الذي أتذوقه شخصياً 
عندما أنظر فأجد والدي المتلفع باللحاف يمد يده الطيبة إلى فنجان الشاي
والجبنة الصفراء ، والعسل الأسود
كطيف سرعان ما يذهب



كم هي لحظات أليمة ، عندما يحين وقت الإفطار
فكان والدي يصحبني إلى المسجد لصلاة المغرب أولا
ويخبئ لي دون إخوتي ( لأنني صائم ) حبة قطايف
حتى آكلها في المسجد ،



وكم هي لقيمات مرّة ومحرقة وموجعة للقلب
تلك اللقيمات التي لا يشاركنا فيها والدنا وقت الإفطار
وكانت لقمة سائغة مع ذلك الوالد الحنون نبلعها بريقه المملوء بالعرق سوس





الإخوة الأحباب ،
ربما يكون اليتيم غنياً ، ولا يحتاج إلى الأموال ، ربما يكون أكثر الناس تصدقا وتعطفاً على الفقراء ،،
ولكنه فقير في ذاته إلى أبٍ حنون يصحبه إلى المسجد ، يجلس كحضنٍ دافئ على مأدبة السحور والإفطار

يحتاج إلى مسحة رأس ، إلى كلمة طيبة ، إلى تجمع حوله ..

]

صدقوني أتكلم إليكم من واقع تجربة ، فقد عشت اليتم إلى اليوم قرابة 18عام ،،منذ كان عمري في الثانية عشر

تلونت في صدري أنواع من العذابات ، التي أحرقت الفؤاد ،
وآهات الصدر تحاول أن تخرج ، وأحبسها حسرات في القلب
حتى لا أُظهر ضفاً أمام الناس

لم أكن بحاجة إلى الأموال

كنت بحاجة إلى ( شبشب ) أبي الذي كان يضربني فيه إذا ما قصرت في الصلاة

بحاجة إلى صوت يعلو في البيت ولا يعلى عليه
إلى كلمة حاسمة تقرر وتتصرف
إلى أبٍ يعطي الحوافز ويعاقب على التقصير


مع أن لي أعمام كوجوه القمر ، كلهم طيبون وملتزمون وما شاء الله

إلا أنهم بهذا الإجتماع حولنا ، أيضاً لم أشعر أنني عشت حياة طبيعية
مع أنهم أنقصوا إلى درجة كبيرة ، حدة الألم التي اعتصرت القلب



حتى بعد هذه المدّة ، ذات مرة دخلت المستشفى وأجريت عملية جراحية
وبعد الإفاقة أدام الله ظلها و قدس سرها
وبكت وقالت ( ليت والدكم موجود معكم أبنائي ) 
وبعد مغادرتها سألني مريض بجانبي
فقال لي هل توفي والدك حديثا
فقلت له لا ( قبل 12 عام )
فقال وكأنني شعرت أنه بالأمس ، ومن كثرة ترحمنا على أبينا
حَسَد أبي على كثرة ترحّم أسرته عليه



لقد كان اليد الحنونة التي تمتد إلى أبنائه ،
لقد كان القلب الرؤوف الذي يمسح دمعة الألم من أعين أبنائه
لقد كان الصورة المبهرة ، التي لا ولن تغيب عنّا



فضلاً وليس أمراً
هلاّ : تحسستم أيتام جيرانكم
هلاّ : زرتم أيتام في عائلتكم وإجتمعتم معهم تهنؤوهم بكل مناسبة قادمة
هلاّ : قررتم تقاسم فرحتكم مع من فقدوا الفرحة أعوام وأعوام...

اليتيم لا يريد الصدقة فقط ، بل يريد معها حنان اليد التي تمتد لكي تمسح على رأسه

اليتم .. صعب
فتحسسوا أيتام شعبكم
وزوروهم

واحتسبوا الأجر عند الله ..

هذه كلمات خرجت مني كيتيم
وأشعر أنها رسالة كل يتيم توجه إليكم





رحمك الله يا والدي - رحمة واسعة ملؤها السماء والأرض
وبكل قطرة دم سالت من جسدك الطاهر أسأل الله أن يغفر لك بها
وبكل عملٍ صالح أسأل الله أن ينميه لك
وبكل صدقة جارية أسأل الله أن يحتسبها لك
ويتجاوز عن كل خطيئة وذنب
ويسترك يوم تعرض الخلائق على الخالق
ويجمعنا في جنة عرضها السماوات والأرض

وأن يجعل منزلتك أكثر من منزلتي حتى لا أعلو عليك


وبارك الله فيكم

هناك 4 تعليقات:

  1. الله يرحمك يا عم واسكنك فسيح جنات

    ردحذف
  2. رحمك الله يا عم .. في الفردوس إن شاء الله
    أبو سلامه ... اللي خلف ما مات ..

    كلمات راقية :)

    ردحذف
    الردود
    1. بوركت أبو الوليد.. اللهم ارحم جميع موتانا وموتى المسلمين اللهم امين

      حذف

رسالتي إلى سيدنا زكريا (عليه السلام)

رسالتي إلى سيدنا زكريا (عليه السلام) عزيزي: نبي الله زكريا.. أحاول فهم الدعاء الذي قلته عندما وجدت رزقاً عند من كفلتها، ...