عزيزي: نبي الله زكريا..
أحاول فهم الدعاء الذي قلته عندما وجدت رزقاً عند من كفلتها، ودعوت الله هناك: (رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ)..
نعم أنا أهتم لهذا الدعاء.. فأنا أمر بنفس الحالة التي مررت فيها تقريباً.. غير أني لم أبلغ بعد من الكبر عِتيا.. فحالتي ما تزال أفضل من الوضع الذي وصلت إليه حالتك..
أعلم حالة تقلبك في فراشك، أعلم تلك الدموع التي لا يراها أحد، أعلم الألم الذي تلعقه وحدك، أتخيلك وأنت تمسح الدموع عن وجه زوجتك، فتنام هيَ، وتدير أنت ظهرك وتلعق الألم وحدك.. لا أحد يواسيك .. أعرف كل هذا..
ولكن لماذا عندما أردت أن تدعوا الله في تقلبك، في نجواك، تذكرت ضعفك، ذكرت أسباب العجز، ألم تكن خائفاً من الجواب، ألم تكن خائفاً أن يجيبك الله: (ها أنت عرفت الجواب يا زكريا) وهن عظمك، واحترق رأسك بالشيب.. ألم تخف من هذا الجواب ..
لا أدري أيضاً لماذا حكمت على زوجك أنها عاقراً .. هل كان الطب لديكم متقدم جداً ليعلم العيب من الرجل أم من الامرأة .. أم هو اخبار الوحي.. في الحقيقة لا يهم كثيراً.. (ربما لم يعد يأتيها طمث النساء)، في الحقيقة أنا لا أريد احراجك بالإجابة عن هذا السؤال، هذه أمور شخصية، والسؤال عنها في هذه الحالة، أعرف الجرح الذي يجرحه .. أعرفه تماماً.. بل أنا أشعر به.. أكون صريحاً معك أكثر.. أنا مجروح بهذا الجرح .. يجب علي في كل مرة أن أجيب.. لماذا لم تنجب إلى الآن.. أتقبل إنسانية الناس .. أتقبلهم بكل حب.. إنهم يهتمون لأمري.. ولكني حقاً لا أملك الجواب.. كنتَ جريئاً يا نبي الله زكريا.. جريئاً .. لدرجة أنك لم تخف لم تخجل أن تقول أني كبرت وهنت ضعفت وزوجتي ضعيفة .. كبيرة مثلي .. لا تقوى على الحمل والميلاد..
عزيزي: أتسمح لي أن أناديك زكريا .. بدون ألقاب .. نعم أنا الآن أشعر بإنسانيتك أكثر من أي أحد آخر.. هذا الموقف لا يمر على الأنبياء فقط.. فأنا أقل شئناً من مقامك ولكن أصابني ما أصابك..
أتعلم شيئاً. .. هناك من سيستغل الموقف ويظنني أمتهنك، ولكني متأكد تماماً أنك لن تغضب في هذا الموقف.. لو وقفت أمامك وقلت : عزيزي: زكريا
هل كانت مريم البتول لتذكرك وأنت صاحب الوحي، أن الله يرزق من يشاء بغير حساب، لتستغل موقف الرزق وتدعوا الله (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ) هل نسيت أنك نبي.. وتعرف عن الله ما لا تعرفه مريم.. لا أظنك نسيت ولكنك تعمقت أكثر في انسانيتك .. في انفعالاتك.. في غيرتك على الرزق الذي جاء لمريم وأنت الذي تكفلها .. ربما
ألم تكن تعلم قبل ذلك .. ألم تكن تعلم في الدعاء السابق.. أنه الله يرزق من يشاء بغير حساب.. هل مريم هي التي أخبرتك.. لا .. لا .. لا
ليست هي من أخبرتك بذلك.. ولكنك استثمرت الموقف جيداً.. (هنالك) وقفت (هنالك) خضعت (هنالك) نزلت من مكان نبوتك (هناك) أدرت أن تكون مريم (هناك) أردت أن يرزقك الله كما رزقها (هنالك) شعرت بشيء لا أستطيع أن أقول عنه (غيرة) في حقك..
تخيلت خطابك .. لربما بصورة قاصرة ولكني تخيلته (يرزق من يشاء بغير حساب) فكما رزقت مريم ارزقني .. أنا مثل مريم.. لا أدري هل قلت هذا بالضبط .. ولكنه الخضوع .. التخلي عن مكانتك .. التخلي عن مكانتك إلاّ أن تكون عبداً تصلي في المحراب .. تعلن الاذعان له كمريم .. أو ربما أصلا لا يتعارض مقام نبوتك مع عبوديتك .. فالإثنين مناطهما التكليف والخضوع لله ..
(هنالك) دعوت (رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا)
عزيزي : زكريا
لم تكن فرداً .. كيف نسيت زوجتك أنها بجوارك.. أنها ثانيك.. أنها صاحبتك.. إن كنت وحدك حقاً فهي الأخرى كانت مسكينة وحدها .. لماذا قلت (فردا ؟!)
نعم نشعر بنفس الألم .. ولكن لا أشعر بالوحدة .. بل بالإدمان أكثر على زوجي ..
فرداً. .. . في الحقيقة أني شعرت بهذه الكلمة تنكراً للجميل للذي حملت معك الهموم والسنين، لزوجتك التي لم تشعر بالإحراج وأنت تقول عنها (وزوجي عاقرا)..
أتفهمك .. لن تحمل اسمك .. في الحقيقة كل النساء لن تحمل أسمائهن .. يجب أن يصنعن شيئاً لأنفسهن .. جتى يذكرن به بعد موتهن .. فالأبناء ينادون بأسماء الآباء ..
أووووه .. نسيت أني ما زلت أذكر زوجتك الآن .. كيف لي أن أنسى هذا .. إنها تذكر بعد آلاف السنين إلى اليوم، ها أنت ذكرتها (عاقراً) لو لم تقلها لما ذكرناها .. آسف حقا ..
فرداً. .. عن الوارث لاسم العائلة وعائلة يعقوب .. فرداً. . .
أخيرا.. عزيزي زكريا -أظن أن الكلفة ذهب قليلاً ولم أعد متحرجاً منها-
أريد أن أخبرك بسرٍّ أخير شعرته في دعائك (لقد شعرت بذكائك في الدعاء) ذَكَرت الله بصفته التي تتمنى أن يكون لك جزء منها (وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) يا للذكاء ..
فاستجبنا له .. وأنا يا الله .. وأنا يا الله .. وأنا يا الله ..
صلوات ربي وسلامه على المرسلين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .. #ثورة_قلم