الثلاثاء، 8 مارس 2016

طفلي .. عاشرته عشرينر عام.. ثم ارتحل


طفلي -  عاشرته عشرين عام..ثم ارتحل
الكاتب : محمد سلامه
استهلال :
تعجز الكلمات عن تعبير مدى السعادة القلبية التي تطفو على وجنتي الأب عندما ينظر ولده يكبر يوماً بعد يوم ، فلا يقف ذلك الشعور عند الابتسام فحسب ، بل تمتد شوقاً إلى الأحضان الدافئة ، وعند تقبيل الأيادي تترى كلمات الرضا ، فأسعد الله محياه .

انتظرته تسع سنوات كان غائباً ، ووجه البيت كمنظر الغروب بل أشد حُمرةً منه ، وشفق الشمس يلهب القلب وكأنه البركان ، ومع إشراقه كل صباح أسأل الله أن يأتي ذلك اليوم الموعود ، الذي ألقى فيه قمري وأضمه بين ضلوع صدري حتى يختلط القلبان ، ولكنه آثر الغياب عني حتى الآن  ..

كم هي تلك المشاعر النبيلة التي أحملها لك يا ولدي ، إن اشتياق الربيع والسهول الخضر للماء ، وذلك الطفل الرضيع لثدي أمه ، لم يقترب يوماً شوقهم ، من لوعة شوقي إليك .

ستائر اللآلئ تضفي على وجهك نوراً ، فأين أنت من بين أزهار الربيع ، وأقمار البدر في الحالكات ، فقد ملأت من القلب سويداء ، فإني طوعت الربيع لك صاغراً ليقبل قدميك .

عتاب :
عشرون عام ، كان عمره الحقيقي مقدار حلمي ونومي ، كل يوم حلمت فيه وكأنه عام ، مرت أسرع من ومضة البرق ، رأيتك تكبر أمام ناظري يوماً بعد يوم ، وأتصور تغير ملامحك الطفولية التي غادرتك وبقيت تلازمك منها علاماتها في ناظري ، فلم أشاهدك مهما كبرت إلا وأنت طفلي ، نعم طفلي الصغير الذي يأتي كل صباح على والديه ينال الرضا ، ويقبل الأيادي احتراما ، ويخضع تحت قدمي والدته حيث الجنة ، ويسلم سلام الرحمن ، بعد أن استهل فجره بالقرآن ، ويغدو كالطير ينثر محبته على الناس كظفائر الشمس في الصباح .

عشرون عام ، حتى انتظرتك ليشتد عودك ، ويقوى ساعدك ، وينمو قلبك بآيات الرحمن ، وتعكزت عليك في كبري وضعفي ، وكنت سندي وظهري ، تدنو عليّ إذا حزنت تواسيني ، وإذا بكيت تُرخي يديك كرقائق النعمان لكي تمسح الدمع عن قلبي .

أتذّكر مخيلة ذالك اليوم ، الذي حلمتك فيه تخرجت من الجامعة ، وتحدثت أمام الناس جميعا بشكرك لله الذي من عليك بوالديك ، ذلك الحفل المهيب الذي تم استقبالك فيه كحافظ للقرأن ومحدث للتفسير ، ورفعت رأسي شامخاً بين الناس وأشهدتهم على اقتراب إكمال رسالتي .

النهاية :
ولكني صحوت على كابوس مزق قلبي ! أخفى سراج عيني ! وانسحبت كل ألوان الطبيعة وكأنها تُعلن الهزيمة ! وتوقفت الشمس عند منظر الغروب ! فأكوي الشمس بلهيب قلبي ! وسقطت أوراق الربيع في لحظة ! ليعلن الخريف بكل عنجهية لونه الأصفر سيبقى على الدوام !

وصعدت الروح حتى وقفت الحلقوم ، وجف الريق ، وكادت أن تقفز براكين الأرض من صدري ، واسودت الدنيا بزهائها في وجهي ، ولكن ؛ اعذرني يا ولدي ، فلم أتعود على إظهار ضعفي أمام الناس .

لأصارح نفسي بالحقيقة : بأن أحلامي معك كانت كبالون العيد الملون ولكنه قد انفجر ، وانفجرت أنا وراءه ألماً ، وكلمات الصبر من الجميع تواسيني ..

حياة طويلة تلك التي عشتها معك في مخيلتي ، ولكنك غادرتنا يا جنين زوجي حتى قبل أن يكتمل جسمك وينكسي عظما ولحما ، ولم تلقي علينا السلام ، وقد كنت قد أطلقت لك اسماً ، ودعوت لك علماً ، وسألت لك رزقاً ، وفطرت لك قلباً ، وطوعت لك روحاً ، ولكنه قدر الله :: لا أراك :: فلن تولد إلا في ذلك الوقت الذي كتب الله لك فيه أن ترى النور وتحمل اسمي .

وأملي في الله كبير بأن يردّ عني قدراً إن كان شراً ، ويصبح الحُلم حقيقة ، ويعاد إلى ناظري سراجها ، وتعود الطبيعة بألوانها ، والشمس رغم طول الغياب إلا أنه سيبزغ في نور يوم جديد ، وتتعاقب الفصول ، فتنكسي الأرض حلة خضراء من جديد ، وتكون حياتي عندها لها معنى حقيقي ،  ورسالتي فيها تصبح واضحة ، فلن أترك الدعاء من الله ، والتذلل لعظمته ، بأن يأتي ذلك اليوم الذي أراك فيه .

أمل :
إلى ذلك اليوم .. أسأل الله أن يرزقني من صلبي ومن زوجتي ذرية صالحة إنه ولي ذلك والقادر عليه ..


لك السلام يا ولدي
تستطيع التعليق في المدونة عبر حسابك على الفيسبوك ⏬شاهد أسفل الموضوع ⏬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رسالتي إلى سيدنا زكريا (عليه السلام)

رسالتي إلى سيدنا زكريا (عليه السلام) عزيزي: نبي الله زكريا.. أحاول فهم الدعاء الذي قلته عندما وجدت رزقاً عند من كفلتها، ...