الدموع ما زالت تخرج ولكن بصور مختلفة، ما زالت وسادتي يختبئ فيها الكثير من الحكايا والخبايا والقصص التي احكيها لها في دموعي وأحلامي.
لم أقتنع يوماً بتفسير الأحلام، ولكن صدقا في وقت الضيق والكرب كان يأتي أبي في المنام ويحدثني عن انفراج الأزمة، يوما تمردت علي الدنيا، ولم أعلم اين أسير، فجاء أبي في المنام واخذني لدرس علم أظنه خارج المسجد، ثم ذهبنا لصلاة الفجر ولم يختم الصلاة حتى اختفى، رغم البعد إلا أنه يبشرني بكل فرج.
دموع نسكبها إذا مات أحد، عند لحظات الفراق، ودموع أخرى تخرج عند الافراح، دمعتي باتت قريبة جدا، وهي سر ضعفي، وكلما بكيت تخرج مع الدموع صورة أبي الأخيرة التي كانت صبيحة حادثة وفاته، وأنا ذاهب إلى المدرسة صباحاً وأبي جالس على كرسي على الطريق ينتظر سيارة العمل، سلمت عليه ومسح على رأسي وأعطاني مصروفا إضافياً ومضيت أو مضى.
لا أعرف من الذاهب وإلى اين، لكنا افترقنا، كل في طريق لم يحصل اللقاء بعدها إلي اليوم، لم يمسح أحد على رأسي كأب.
أحسب أني ومنذ تسعة عشر عاماً لم يغب عني ذكر أبي مع نفسي أو أمام الناس بشكل يومي - رحمه الله- لا أعرف النوم قبل أن امرر شريط ذكريات طفولتي بصحبته بحنان قلبه وعطفه.
يوماً أمرني أن ألقي القمامة في مجمع النفايات مع أبناء عمي، لم يكن لدينا ما يستوجب الذهاب إلى القاء القمامة، ولم يقتنع أبي بذلك، هربت منه في الشارع فوضع طرف الجلابية في فمه وبدأ يركض خلفي، درت حول مربع طويل في الحارة مرتين أو ثلاثة وأحد الجيران يجلس على باب منزله، ففي المرة الأخيرة امسكني هذا الجار وقال (بدك تحولني انت وابوك) كانت حالة من الضحك الهستيرية بيني وبين ابي.
كان مهتم بدراستي فيسأل عني في المدرسة والعلامات، لم يكن يضربني على تقصيري في الإمتحانات ولكنه كان يخرج كل جام غضبه إذا ما قصرت في الصلاة.
مرت بقية سنين عمري العجاف بعدها، لا مرشد ولا ناصح ولا صديق، في السنة الثانية التي مات فيها أبي صُفعت على وجهي في المدرسة، من أستاذ اللغة العربية، فهربت من الفصل كنت اريد الذهاب إلى المنزل فتذكرت أني سأهرب إلى والدتي وسأمني قلبها بألم كبير، فجلست خلف دورات المياه في المدرسة وبكيت وبكيت، حتى وجدت نفس الأستاذ يمسح على رأسي ويعتذر.
كان الطلاب أخبروه بأني يتيم، كلمة الظلم الكوني التي منيت بها، هي أني يتيم، لا تحسبوها هينة، أشعر بالنقص والإهانة حين أسمع هذه الكلمة، أشعر بالضعف والعجز وقلة الحيلة عندما أتذكر هذه الكلمة، إنها ستلازمني طويلا وأمكث في العذاب دهورا أو حتى مماتي
حصلت على كثير من الأشياء المجانية، كفالات وملابس واحترامات، ولكني لم أحصل على توجيه وتوعية، فعلت ما يحلو لي طيلة سنوات يتمي وبؤسي.
كنت أشعر بوحدة قاسية،
وما زلت أنتظر تكرار تلك الابتسامة من أبي في كل صباح جديد، لكني منيت بنكد اليتم، والحاجة إلى الناس وهكذا #أصبحت_يتيما #ثورة_قلم #كيف_أصبحت_يتيما
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق