الجمعة، 12 أغسطس 2016

كيف أصبحت يتيما (4)

كيف أصبحت يتيما (4)


عندما يعطي النبي اليتيم أجرا لكافل اليتيم في صحبته، وفي حديث آخر يعطي لمن مسح على شعر يتيم أجرا بكل شعره، فإن مقصد الكفالة الحقيقي يكون واضحا هنا برعاية اليتيم من كل جوانبه، فتسليم اموال الكفالات بطريقة الجمعيات أمر شعرت فيه بالإهانة، ومسح الرأس لليتيم لن يشبع البطون. 

في أول رمضان بعد وفاة والدي بأشهر قليلة تدفقت علينا المساعدات العينية والنقدية من العائلة والمعارف والأصدقاء، والجمعيات، أشبعونا خبزا ولم أتذوق طعم الحنان إلى اليوم، كنت بحاجة ماسة إلى والدي بيننا، على السحور والإفطار وعلى صلاة التراويح كنت بحاجة إلى مصروف من رجل. 

في أول عيد بلا طعم ولا لون ولا رائحة، عيد انسحبت منه كل الطبيعة، مظلم صباحه كالمساء، وبرده قارس، وقهوة العزاء وتمر بلا طعم، كل الأشياء تبدلت لم يبقى إلا الذكريات. 

وأنا كشبل أسد أحبس الدموع، وجميع أقراني يمسكون يد آبائهم يتحدثون إليهم، وأمد يدي فتضيع الهواء وتمسك نقطة ماء، وحديث في النفس كالصدا يرد بعضه بعضا، وقلب كاد يقذف عصيره، ألم ألم

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، كنا مجبرين على قبول الصدقات والتبرعات، كانت مؤذية للنفس بقدر سوط الجلاد، وتهون النفس يوما بعد اليوم، حتى يأتي يوم أطلب فيه الصدقات المتأخرة، شيء يأتي بالمجان بكسرة نفس ودمعة عين وابراز شهادة الوفاة، لحمي تربي من هذه الأموال، بالاعتماد على عفو الناس. 

عندما استلمت شهادة الثانوية العامة لم أنتظر كثيراً حتى أخذت شهادتي وشهادة وفاة والدي وذهبت إلى مكان عمله لأجد وظيفة هناك، لم يكن الأمر صعب ولكني كنت وحيدا، غادرت إلى المنزل وأنا أحمل ملابس وظيفتي الحكومية الجديدة، نفس الملابس التي كان يلبسها والدي وقت وفاته، فقد توظفت مكانه في العمل، كانت في البيت عمتي فأجهشت في البكاء وتبدلت المباركات على الوظيفة بذكريات مؤلمة ومدمية. 

بدأت أطعم نفسي وعائلتي من كد يميني، كنت أريد الإستمرار في الطفولة، صدقوني حتى هذه اللحظة أشعر أنني لم أكبر بعد، كنت أريد أن أبقى عبئا على والدي أكثر، كنت أريد كلمات تعنيف منه، كنت اشتقت اليه، حتى أن كد اليمين هذا أشعر فيه برائحة دماء والدي التي سالت، بصرخته للنجاة من الموت، لقمة عيشي ليست سهلة. 

طلبت الزواج ولم يكن الأمر سهل، فكنت الأول من الذكور، وليس هناك متسع في البيت، كنت صغيرا ولكني اردت قلبا أشكو إليه ويحنوا علي، يكفيني ما عايشته من فراغ كل هذه السنوات. 
بدأت بدفع أجار لعش الزوجية ليس هناك اب، انتقلت من دار لدار ليس هناك أب، والد يبني لابنه منزلا انظر من بعيد.. ليس هناك أب، والد يساعد ابنه في البناء..  أرقب المشهد وليس هناك أب.،لم ارد المال يوما فبيوت الأيتام مليئة بالصدقات، ولكني أردت المساندة والتوجيه والنصح، للأسف لم يكن هناك أب.

طالت سنوات الإيجار وقررت مع شقيقي بناء منزل، أكلنا الزعتر لأيام طويلة حتي يكتمل البناء بدون مساعدة أب، حتى سكنت في منزلي الخاص، وتم استهدافه في الحرب الأخيرة على غزة وما زال على المنزل ديون طائلة، ولكني استفقت على نفسي بلا أب يساندني وهكذا #أصبحت_يتيما 
#ثورة_قلم #كيف_أصبحت_يتيما

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رسالتي إلى سيدنا زكريا (عليه السلام)

رسالتي إلى سيدنا زكريا (عليه السلام) عزيزي: نبي الله زكريا.. أحاول فهم الدعاء الذي قلته عندما وجدت رزقاً عند من كفلتها، ...